داء الكلب..خطر داهم والتصرف المحكم في الفضلات أحد أوجه مكافحته
ارتفعت في السنوات الأخيرة الإصابات البشرية والحيوانية بداء الكلب بشكل لافت في تونس مما أثار قلقا في الأوساط الصحية وفي صفوف المواطنين خاصة مع انتشار الكلاب السائبة في مختلف المناطق الحضرية مما يشكل طارئا صحيا يستوجب تدخّلا عاجلا لوضع حدّ لتداعياته الخطيرة على الصحة العامة.
سجّلت تونس إلى غاية شهر أوت الجاري 9 وفيات بشرية بداء الكلب آخرها لشاب يبلغ من العمر 19 عاما بولاية سوسة بعد أن تعرّض لخدش من قطّة مصابة. وفي سنة 2023 قضى 6 أشخاص جراء الإصابة بداء الكلب، كما تمّ تسجيل أكثر من 350 حالة وفاة في صفوف الحيونات.
هذا الوضع غير المسبوق عجّل بعقد مجلس وزاري مضيّق خُصّص للنظر في جملة الإجراءات الكفيلة بالتوقّي من تفشّي داء الكلب.
وقرر المجلس تفعيل خلية الأزمة بوزارة الصحة، ووضع رقم أخضر على ذمة المواطنين للإرشاد والتوجيه والتحسيس (80101919)، إضافة إلى تقديم موعد انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد داء الكلب.
كما تقرر مضاعفة التدخلات لمزيد العناية بالمحيط وللقضاء على المصبّات العشوائية للفضلات المنزلية، وضع إطار قانوني يتعلّق بتنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب.
مؤشرات تفاقم الوضع بدأت منذ 2021
وأعقب هذا المجلس الوزاري المضيّق اجتماع للجنة العلمية للنظر في مختلف الإجراءات العاجلة ووضع استراتيجية تدخل لمواجهة هذا الوضع غير السبوق، خاصة بعد أن نجحت تونس في القضاء على داء الكلب في 2009 ولم تسجّل أي حالة وفاة بهذا المرض، قبل أن يتدهور الوضع في السنوات الأخيرة وتحديدا منذ سنة 2021 بتسجيل 5 حالات وفاة لأشخاص بداء الكلب وليصل عدد الوفيات بهذا الداء إلى 9 خلال العام الجاري.
وقالت منسّقة البرنامج الوطني لمكافحة داء الكلب الدكتورة كوثر حرابش، إنّ مؤشرات تفاقم الوضع بدأت تظهر خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الجاري مع تسجيل 4 حالات وفاة بعد أن كان معدّل الوفيات قبل 2021 لا يتجاوز الحالة أو الحالتين.
وأكّدت أنّه تمّ اتخاذ العديد من الإجراءات لمواجهة هذا الإرتفاع غير المسبوق لانتشار الداء، حيث تمّ في مارس الماضي تعميم الإحاطة الطبية الوقائية في أقسام الإستعجالي والانطلاق في حملات توعوية وتحسيسية منذ بداية العام الجاري خاصة في المناطق التي شهدت ارتفاعا في الإصابات بداء الكلب الحيواني.
خارطة للمناطق الأكثر خطورة
كما أكّدت وضع خارطة للمناطق الأكثر خطورة وحيث تفشى المرض وهي أساسا مناطق الوسط والشمال الغربي وتونس الكبرى، وقد تمّ تحيين الخارطة بعد انتشار المرض في مناطق أخرى بإضافة ولاية مدنين (جربة خاصة).
وشدّدت الدكتورة كوثر حرابش على أنّ هذه الخطوة تعدّ ضرورية لعدم تشتيت المجهودات والتركييز على المناطق المشمولة أكثر بالوباء.
وتمّ كذلك عقد اجتماعات مع المصالح البيطرية الجهوية لتشخيص الوضع والتعرّف على الإشكاليات مع دعمهم بالتلاقيح والوسائل اللوجستية للتدخل.
كما باشرت المصالح البيطرية حملات استثنائية في التلقيح بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني من خلال تلقيح الكلاب المملوكة لأشخاص.
وذكّرت حرابش في هذا الخصوص أنّ التلقيح سنوي وهو متاح مجّانا بالمندوبيات الجهوية للفلاحة طيلة العام، بالإضافة إلى حملات التلقيح السنوية التي تمّ تقديمها هذا العام إلى شهر سبتمبر وتتواصل إلى غاية جانفي المقبل.
وسيتمّ يوم 28 سبتمبر المقبل تزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة داء الكلب تنظيم حملة توعوية في المؤسسات التربوية.
وشدّدت حرابش على ضرورة أن لا تقتصر هذه الحملات التوعوية على هذه الفترة الحرجة.
ماذا عن الكلاب السائبة؟
وبخصوص معضلة الكلاب السائبة والحلول الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة التي تهدد الصحة العامة وللحد من انتشار داء الكلب، قالت الدكتورة كوثر حرابش إنّه لا يوجد حلّ جذري لهذه الظاهرة التي لا يمكن تلافيها إلاّ بحل الإشكال البيئي المتعلّق بانتشار الفضلات المنزلية في الشوارع بتحسين التصرف فيها وباتباع المواطنين لسلوك متحضّر في إخراج فضلاتهم المنزلية في المواعيد المحددة وإلقائها في أماكن مخصّصة لذلك.
وشددت على أنّ الكلاب السائبة تتكاثر في ظلّ وجود هذه الفضلات التي تمثّل مصدر تقتات منه وبالتالي تزاوجها وتكاثرها.
كما أشارت إلى ظاهرة تخلي مالكي الكلاب والقطط عن حيواناتهم وإهمالهم في الشارع، مشدّدة على ضرورة الوعي بأنّ الكلاب والقطط هي حيوانات مرافقة تعيش مع الإنسان.
وأضافت قولها: ''إذا لم يرغب مالكو هذه الحيوانات في أن تتكاثر فما عليهم إلاّ أن يقوموا بتعقيمها وأيضا الحرص على تلقيحها سنويا.
وتضلّ عمليات القنص إحدى الخيارات المطروحة خاصة في المناطق التي تمثّل بؤر إصابة، حيث يتمّ القضاء على الحيوانات المتواجدة في محيط ثلاث كيلومترات من تواجد حيوان مصاب.
استمع إلى مداخلتها في برنامج أحلى صباح:
"فضيحة"
ووصف عميد البياطرة أحمد رجب في تصريح سابق لبرنامج " وفاة 9 أشخاص بداء الكلب في تونس بالفضيحة.
وقال إنّ تدهور الوضع إلى هذا الحدّ يعود إلى ''التقصير'' في حملات التلاقيح لحماية القطيع الحيواني وبالتالي حماية الأشخاص من هذا الداء المميت.
وأشار رجب إلى أنّ تراجع الإجراءات الوقائية المتمثّلة أساسا في التلاقيح يعود بالأساس إلى الإشكاليات التي يواجهها الأطباء البياطرة في علاقة بالتوكيل الصحي الذي انطلق العمل به في سنة 2005.
وقال إنّ عمادة الأطباء نبّهت في مناسبات عديدة من هذا الوضع الكارثي، مشدّدا على ضرورة الإسراع بحلّ الإشكالات على مستوى التوكيل الصحي.
وأشار في هذا السياق إلى تلف كميات من التلاقيح ضدّ داء الكلب تمّ توريدها بالعملة الصعبة دون أن يتمّ استخدامها في وقاية الحيوانات من الإصابة بالمرض، مضيفا أنّ الوزير السابق أعلن عن فتح تحقيق في الموضوع منذ ثلاث سنوات ولم يتم إلى الآن الكشف عن نتائجه.